اللغة العربية
للغات هي عبارة عن الألفاظ الموضوعة للمعاني واللغات كلها اصطلاحية ، فهي من وضع الناس وليست من وضع الله ، أي أن الناس اصطلحوا عليها .
واللغة العربية كسائر اللغات وضعها العرب واصطلحوا عليها فتكون من اصطلاح العرب وليست توقيفاَ من الله تعالى . إذ لو وضعها الباري تعالى ووقفنا عليها أي أعلمنا بها فإن هذا التوقيف إنما يكون عن طريق من طرقه ، أي إما بالوحي وإما بخلق علم ضروري في عاقل بأن الله تعالى وضعها لهذه المعاني . أما التوقيف عن طريق الوحي فباطل لأنه يلزم تقدم بعثة الرسل على معرفة اللغات حتى يعرفهم اللغة التي وضعها الله ثم بعد ذلك يبلغهم الرسالة ، لكن البعثة متأخرة لقوله تعالى " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ". وبهذا يثبت أن اللغة ليست توقيفية من الله .
وأما التوقيف عن طريق خلق علم ضروري فباطل أيضاَ لأنه يلزم منه أن يعرف الله تعالى بالضرورة لا بحصول العلم ، لأن حصول العلم الضروري بوضع الله للغة يستلزم العلم الضروري بالله تعالى ، لكن معرفة الله تعالى ليست بالضرورة وإنما بحصول العلم وبذلك يثبت أنها ليست توقيفية وإذا ثبت أنها ليست توقيفية من الله فتكون من وضع البشر أي تكون اصطلاحاَ من الناس .
وأما قوله تعالى " وعلم آدم الأسماء كلها " فإن المراد منه مسميات الأشياء لا اللغات ، أى علمه حقائق الأشياء وخواصها ، أى أعطاه المعلومات التي يستعملها للحكم على الأشياء .
وأما قوله تعالى " ومن آياته اختلاف ألسنتكم " أى لغاتكم ، فلا دلالة فيه على أن اللغات من وضع الله ، لأن معنى الآية ومن الأدلة على قدرة الله كونكم تختلفون في اللغات وليس معناها كون الله قد وضع لغات مختلفة . فلآية أي الدليل اختلاف اللغات وليس وضعالله للغات مختلفة .
وأما قوله تعالى : " إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان " فإن الله تعالى لم يذمهم على التسمية وإنما ذمهم على إطلاقهم لفظ الإله على الصنم مع اعتقادهم أنها آلهة . إذ اللات والعزى ومناة اعلام على الأصنام ، فقرينة اختصاصها بالذم دون سائر الأسماء دليل عليه .
وعليه فلا دلالة في هذه الآيات على أن اللغات توقيفية . وبذلك يتبين أنه لايوجد دليل شرعي على أن اللغات توقيفية من الله ، بل الواقع المشاهد أنها اصطلاح من الناس ، فهي من وضع البشر وليست من الله وعل ذلك اللغة العربية اصطلاح اصطلح عليها العرب فوضعوا ألفاظاَ معينة للدلالة على معاني معينة ، وكما وضعوا لفظ القرء للحيض والطهر ولفظ الجون للأبيض والأسود ولفظ السليم للملدوغ والسليم وغير ذلك .
وما دامت اللغة العربية اصطلاحاَ لهم فطريق معرفتها أخذها عنهم . ولهذا مايقوله العرب عن اللغة يسلم به إذ هي اصطلاح لهم ، والمراد بالعرب العرب الأقحاح الذين كانوا يتكلمون اللغة العربية قبل فساد اللسان العربي ، وقد ظل قسم منهم حتى القرن الرابع الهجري كانوا يسكنون البادية ولم تفسد لغتهم ولذلك يؤخذ منهم . أما طريق الأخذ عنهم فهي طريق الرواية الصحيحة ، ومن هنا كانت معرفة اللغة العربية هي النقل المتواتر وخبر الآحاد . وأكثر أخبار اللغة العربية من الأول أى من المتواتر والأقل منها من الثاني أي من الآحاد ولا طريق غيرها.
ويجب أن نعرف جميعاَ أن الأسلام حمل بثلاثة بكتاب الله وسنة رسوله واللغة العربية " إنا أنزلناه قرآناَ عربياَ لقوم يعقلون " واللغة العربية جزء لا يتجزأ من الإسلام ولا تحمل الدعوة الأسلامية إلا بها.